الاثنين، 19 ديسمبر 2022

نهج الشفاء الحيوي والفرق بين أنماط الطب الأربعة الكبرى | افتح البوابة واعبر إلى النور العظيم

 إحياء منطلقات جديدة للشفاء : افتح البوابة ... واعبر النفق

 


حين يكشف الطب الرسمي عن المرض، يكشفُ عن أعراض المرض الظاهرة، التي يمكن قياسها بالتحاليل والأشعة .. تقوم التحاليل بالوصول إلى الجزيئات الخلوية المتناهية الصغر، تقوم الأشعة بكشف التفاعلات التي تحدث على مستوى العظام والأعصاب.

تكشف التحاليل المخبرية عن سائر المواد التي يمتلئ بها جسمك ودماؤك ، وتكشفُ الأشعة عن ما يحدث وراء الجلد والسطح الخارجي للعظام ، يومكن الكشف أيضاً عن تفاصيل حمضك النووي. إن نظرة الطب الرسمي للمرض يمكن تلخيصها بعبارة واحدة : الجزئيات المادية الصغيرة تنتج الجسم والنفس والحياة، والسطح الظاهري للجسم منفصلٌ تماماً عن الباطن العميق.

من هذا المنطلق، الذي يفصل الجسم عن بعضه من حيث القانون العام، ويرجع الأحداث العضوية إلى أحداث جزيئية، والأحداث الجزيئية إلى منطق مادي حاسوبي ، انبعث الطب الرسمي الذي يعرفه الناسُ اليوم، وكانت هذه بادئة المشاكل التي تراكمت على المنهج الطبي على مدار السنين.

عندما تذهبُ للطبيب ليقوم بتشخيص المرض أياً كان، يقوم برده إلى عوامل كيميائية، فيرد التهاب اللوزتين إلى البكتيريا والجراثيم، ويرد التهاب المفاصل إلى التلف الموضعي للمفصل، وهذا يقوض قدرة الطب على تفسير كل الأمراض، والظواهر الطبية، فهناك أمراض لم ترتبط بأية أعراض عضوية معروفة لا على المستوى الجزيئي، ولا على المستوى المركب والنسيجي، كالنوبات العصابية الصرعية، لا يوجد سبب محدد بدقة لها سوى بعض الافتراضات التي تخلو من البراهين التجريبية الصارمة. وكذلك المشاكل الجنسية المعروفة، أغلبها منفصل عن أي تأثير جسدي معروف. يتكرر الأمر مع متلازمة التوحد، والصدفية، والبرص، والرعاش، وداء باركنسون وقائمة طويلة.. الجينات التي تم تحديدها لتلك الأمراض تبين فيما بعد بتقنيات معينة ( كريسبر 9 ) أنها افتراضات غير دقيقة ، وأنه من المستحيل تحديد جين معين بحد ذاته مرتبط دائماً بمرض معين بحد ذاته.

طريقة التشخيص الجزئي لها مشاكل إجرائية أخرى، على سبيل المثال تفترض مسبقاً أن المشاكل الجسدية التي يعاني منها المريض منفصلة عن بعضها البعض، فلا يمكن للكلى أن تؤثر على الدماغ ولا يمكن للأمعاء أن تؤثر على الكبد، لذلك لا يلجأ طبيب الجهاز البولي الرسمي إلى السؤال نموذجياً عن نفسية المريض، ولا يلجأ طبيب المخ والأعصاب إلى السؤال نموذجياً عن حالة الكلى مثلاً. لأن كل جهاز عضوي معين في الجسم يُفترض أنه نسيج مستقل له جزيئاته الخاصة التي لا تؤثر على بقية الجزيئات في الأنسجة الأخرى. وأقصى ما يمكن التكهن به هو أن نقص عنصر غذائي أو جزيء عام منتشر في أنحاء الجسم ، كفيتامين معين، سيؤدي إلى السماح بحدوث الاضطراب في ذلك العضو لأسباب غالباً ما تكون غير معروفة.

هذا يعني أن التشخيص الطبي يكشف موضع المرض، والآثار التي خلفها، وتصنيفه وفق الموضع والآثار.. وقد يكشف بعض الأسباب الجزيئية التي أدت للمرض. أما ما لا يجيب عليه الطبيب هو أسئلة نوعية من مثل :

1.     ما هو المرض بالضبط : ما هي علة تلك الأعراض الظاهرة والتي سببتها من الأساس ؟

2.     كيف حدث الخلل على المستوى الجزيئي ؟

3.     ما علاقة هذا المرض الموضعي أو الانتشاري ببقية أعضاء وأجهزة الجسم ؟ هل يمكن أن يؤثر أو يتأثر بها بشكل قوي ؟ هل يمكن لعطب غير ظاهر في تلك الأجهزة أن يسبب المرض الذي تم رصده ؟

4.     كيف يمكن قياس المرض قبل ظهوره على السطح ؟ التحاليل الطبية تكشف المرض قبل ظهوره كمعاناة حقيقية ، وليس قبل ظهروه الفعلي في فيزيولوجيا الجسم، على سبيل المثال أغلب مشاكل الكلى لا يمكن التنبؤ بها بالتحاليل الطبية ( وهو ما سنشرحه بالتفصيل لاحقاً ).

5.     ما هو التأثير النفسي الذي يمارسه العقل والوعي بالنسبة للمرض ؟ لماذا الافتراض المسبق بالعزلة بينهما ، أو بأخذ الوعي والعقل الموقف السالب لتأثير الجسد ؟ هذا الافتراض فلسفي وليس علماً تجريبياً دقيقاً ، ورغم ذلك فهو يحكم كل البحوث الطبية ويقوضها.

6.     أين ينشأ المرض أولاً : في الجسد أم في العقل ؟

7.     ما هو العلاج النهائي لجذور المرض ؟ كتعريف قياسي للمارسة الطبية الحديثة ، فإنها تهدف في المنزلة الأولى إلى إزالة الأعراض الظاهرة على المريض والمعطلة لحياته العملية والإنتاجية ، والبحث عن علاج جذري هو أصلاً ليس من مباحث الطب التجريبي الحديث لأن الجذور تعتبر غير خاضعة لمنهج القياس الذي اختارته المنظومة البشرية العالمية للطب.

قد تبدو هذه الأسئلة غير طبية، وأقرب إلى علوم الفلسفة والميتافيزيقا، وليس من الحكمة إنكار ذلك، لأن هذا الكتاب لا يسعى أصلاً إلى التوفيق بين الرؤية الطبية المعاصرة، وبين الطب الكوني. لأن هذه الأسئلة أهم بكثير من تلك التي يطرحها الأطباء في مجامعهم وندواتهم ومراكزهم البحثية ، أسئلتهم منمقة بطريقة تحوي بالكثير من المنهجية القابلة للتجريب ، وتمتلئ بالمصطلحات الأجنبية المختلفة ، ولكن ذلك في حقيقة الأمر ، لا يهم المريض بشيء ... المريض الحقيقي الذي يعاني معاناة حقيقية ، لا يكترث بمدى تقانة وضباطة المعلومات الطبية ولا بمدى كثافتها واحترامها المجتمعي ، إنما يهتم بجدواها النهائية في علاج مرضه وإنهاء معاناته مع الأدوية والمسكنات.

لأن الخلل ليس فقط في نتائج البحوث الطبية، وليس فقط قصوراً في المدى الزمني للبحث الطبي التجريبي، بل أيضاً والأهم من ذلك، خلل في طريقة التساؤل الطبية، وتعويد على حصر الأسئلة ومواضيع البحث بنطاق محدد لا يتم الخروج عنه، ثم ادعاءُ أن ما يخرج عن ذلك النطاق هو خرافة.

لا يفتأ الأطباء من تكرار نفس الاتهامات للجهات التي تحاول توفير أنواع بديلة من الطب أكثر كفاءة ، ولا يفتؤون بترديد نفس الجمل المملة ، كذلك الشخص الذي عرض مليون دولار على من يثبت وجود ظاهرة خارقة ، أو كبعض البرامج اللبنانية والمصرية التي تظهر ممارسات بعض الدجالين والتجار وتلصقها بالعلاج الكوني الحقيقي. وعوضاً عن السعي إلى شفاء المريض من كلا الطرفين بما لديهم ، تحول الأمر إلى حرب نفسية وإثبات للأنا المزيفة والاستحقاق الاجتماعي ( من كلا الطرفين ).

الحقيقة أن الكلى يمكنها التسبب باستسقاء في الدماغ، والقلب قد يسبب مشاكل في النطق، والقولون يمكنه إحداث أضرار جسيمة على الكبد، والأمعاء المتسربة قد تؤدي لسرطان البنكرياس.. الجسم وحدة عضوية متكاملة، ليس من الممكن فهم كل قسم منه على حدى. حقيقة فطن لها بعض الأطباء في نهايات القرن العشرين وأسسوا منظمة الطب الوظيفي، الذي يبحثُ في الأسباب الفيزيولوجية العميقة للمرض وليس فقط كما يبدو في ظاهره العرضي والجزيئي. وقد استدعى ذلك إلحاق الطب الوظيفي بالطب الغذائي والبيولوجيا الجزيئية، فصار من المعروف علمياً وفي إطار التجريب، كيف يمكن للمرض أن تنتجه الأغذية الرديئة المؤثرة على العوامل الجزيئية، والفيزيولوجيا النسيجية المضطربة في أعضاء بعيدة عن العضو المريض.

ورغم كل ما حققه الطب الوظيفي من إنجازات جيدة على مستوى البحث العلمي وعلى مستوى العلاج، تم إهماله وشنت عليه حرب إعلامية ضخمة، لتنتزع أي مجال لصوت يقول إن هناك دواء غير ذاك الذي يباع في الصيدلية، وتلك السكاكين في المشافي ومباضع التشريح.

ليس من المفاجئ إذن تقديم أنواع طبية تبحث في موضوعات أكثر عمقاً وتجريداً من الطب الوظيفي، كالماكروبيوتك والأيورفيدا، على أنها خرافات، ومهما كان عدد الأشخاص الذين تعالجوا ويتعالجون عبرهما كل يوم، لن يكون مهماً أبداً لأن المنهج التجريبي في الطب يرفض أصلاً أي محاولة لافتراض وجود علة للمرض يمكن شفاؤها، حتى  قبل إنجاز التجريب والاختبار على فرضية تدعي ذلك.

تفسير مشكلة مرض الرعاش

نوع النموذج الطبي

التهاب في أغشية الأعصاب – نقص في الفيتامينات الأساسية

الطب التجريبي الوضعي

مقاومة الأنسولين أو حموضة الدم تسببت في تراكم السموم على الأعصاب والتهابها – قد يساهم الكبد والقولون والمعي الدقيق في ذلك

الطب الوظيفي

ازدياد الاضطراب في الدفق الكهربائي الحيوي مع غياب التوازن في تصريفه-تراكم السموم وغياب الطاقة اليانغ الذكرية التي تسمح بحجب السموم للخارج والحفاظ على تماسك الأعصاب

الطب التكميلي (ماكروبيوتك\آيورفيدا)

جميع النماذج السابقة صحيحة ويمثل كل منها مستوى للحدث، ولكن العلة الأساسية هي الرغبة في الارتباط بالآخر والزمن مع غياب القدرة على التماسك أمامهما، وفقدان الإحساس التدريجي بهذا التماسك سمح للكهرباء والسموم أن تفعل فعلها..

الطب الكوني

 

 الدراسة الإحصائية مقابل البحث البُرهاني والمذهب الذاتي في المعرفة العلمية :

"ليس هدفُ العلم التجريبي إيجاد ظواهر جديدة، والظواهر غير المتلائمة مع "الدُرج اللغوي للعلوم الحالية" والتي لا يمكن حشرُها فيه لا تُرى على الإطلاق" توماس كون فيلسوف العلم.

وقت كتابة هذا المقال .. البارحة كانت رابع مرة ( خلال سنتين ) أصاب فيها بالحمى والتهاب الحلق ، ورابع مرة أستخدم فيها قوة العلاج الاقتراحي للشفاء في أقل من يوم. لا أعلم سبب عدم ثقة الباحثين الطبيين في هذه الأساليب ، وسبب عدم توافقها مع المنهجية العلمية برأيهم ، لكن ملايين الملاحظات المتكررة عبر عشرات من السنين ، أظنها دافعاً قوياً لمحاولة الاستفادة من تلك الأساليب في تحسين مستقبل البشرية ، لو أمكنهم ذلك.

أمر غير واضح ... ما الذي يمنعُ المناهج العلمية التي تعتمِدها مؤسسات البحث العلمي من قبول أو تفهم الحقائق الأُخرى التي تم الوصول إليها في مدارس طبية أُخرى .. سوى أن يكون إدخال عنصر جديد على المنهج البحثي أو النموذج الطبي أمراً محرماً عقائدياً ؟!

ربما تستدرك لتقول : هذا المنهج الطبي خيرٌ من الخرافات ، وخيرٌ من الدجل والشعوذة ، والأدوية على الأقل شيء ملموس وهنالك إحصائيات ودراسات تدعمها وتؤكدها.. وإنه لأمر صحيح ، كل ما في الموضوع ، أن الدراسة الإحصائية دائماً غير دقيقة، إنها تُعنى بإثبات فرضية معينة .. ليس بالضرورة أن تكون نفسها الفرضية التي يتم التسويق لها إعلامياً.

الإنسان المعاصر عموماً لا يستدرك مثل هذه التفاصيل، لأنه منشغل على الدوام بالعمل والأسرة والسياسة والمجتمع، ولا يبحث بالموضوعات الطبية إلا إن كانت ضمن مجال عمله أو عندما يمرض، لكن لتتريث قليلاً ولتنظر مرة أخرى :

·        ما هو النموذج الإحصائي وكيف تتم مراجعته :

إنه دراسة شاملة لمساحة حيوية عشوائية فيها الكثير من العينات، في العادة تستمر الدراسات الإحصائية لفترات قليلة الطول الزمني، لذلك تتعاقب عدة دراسات إحصائية على نفس الموضوع، في حالة العلاج بدواء معين، وبعد إجراء تجارب السلامة الأساسية والتراخيص اللازمة، يتم إحصاء البيانات الطبية المعتمدة من قبل أطباء مجهولي الهوية، يقدمون بياناتهم لعدد أقل بكثير من الأطباء الذين يعرفون أنفسهم على أنهم قاموا بالبحث، وهم فعلاً كذلك ولكن الأحرى قد قاموا بالبحث "الإحصائي" لبيانات أطباء آخرين أكثر بكثير. بعد التحقق من البيانات بطريقة معينة غير دقيقة كفاية، يتم تسجيل الإحصاء بنموذج بحث أنيق مليء بالجداول والرسوم البيانية الأنيقة، وكتابة الخلاصة والآراء في الأسفل ... الأغلبية الساحقة من الأطباء إما أن يطلعوا على الخلاصة وإما أن لا يطلعوا على أي شيء على الإطلاق.

·        ما هي طرق الدراسة في النموذج الإحصائي :

الإحصاء الطبي ينبني على نموذج افتراضي يشمل الأعراض العامة سلوكياً وجسدياً وجزيئياً لقُطبي السلامة والاضطراب بالنسبة لحالة مرضية ما ، فهذا النموذج لا ينفذ أصلاً لعلة المرض ، لأن العلة لا يمكن إدراكها بالاستقراء والإحصاء.

يهدف الإحصاء الطبي إلى دراسة فاعلية تأثير ما على موضوع ما من خلال تطبيق التأثير أو حامل التأثير ( كالدواء ) على أعداد كبيرة من مصاديق ذلك الموضوع (عدد كبير من مرضى السكري )، هذه الفاعلية يمكن تقييمها بشكل احتمالي وترجيحي فقط عبر نموذج الأعراض المتعلقة بالمرض، ودراسة الفاعلية بهذه الطريقة تشير إلى عدم وجود ارتباط حقيقي مثبت الوجود بين التأثير أو المؤثر وبين الأثر الذي ينتجه، لأن موضوع البحث أصلاً هو الأعراض الخارجية وليس علة حدوث المرض، فتقييم التأثير بالاستناد للأعراض الخارجية لا يؤكد أو ينفي قطعاً ، ولكنه يقوم بترجيح وجود تأثير على المرض أو عدم وجوده، وبالاستناد إلى قاعدة التأثير (الافتراضية) طبعاً.

إنك لا تحتاج لدراسة إحصائية لتثبت أن الأفيون مخدر إذا علمت التفاعلات الكيميائية التي يقوم بها، على الأقل لا تحتاج ذلك لتثبت واقعية تأثير الأفيون على العقل من منطلقات محلية ومادية بحتة. ذلك يشير إلى أن تلك التفاعلات ، في حالة إقامة الدراسات الإحصائية لأجلها ، لابد أن تكون محض تخمين لم يَثبُت تجريبياً ، بنفس الطريقة ، لا تحتاج لإحصاءات لتستنتج صحة نظريات ماكسويل وفاراداي، ولكنك ستحتاج لإحصاءات لدراسة شيءٍ لا يمكن إثباته تجريبياً بالمختبر ، مثل ارتباط الكهرباء الشديدة مع تضيق الصخور العابرة لمياه المُحيط الهادي. يعود السبب في ذلك إلى غياب عنصر التعميم على القانون الذي تم اشتقاقه، سواءً لأنه لا ينطبق إلا على حالات محددة من أفراد النوع ( هذا المحيط بالذات ) ، أو ينتمي لقانون أشمل منه يتحكم في سير الأحداث من خلاله ( تأثير العقل على الجسد مثلاً ).

المسألة الأكثر خطورة بهذا الصدد، أن من يقوم بالدراسة يفترض مسبقاً أن التأثير يجب أن يكون إما هكذا أو هكذا، فهو يربط التأثير بقضية الفصل المنطقي بشكل مسبق، فدواء رافع للمزاج، إما أنه سيجعلُ المرء يسلك هذا السلوك بالذات – التفاعل الاجتماعي والنشاط المهني – أو أنه لا يعمل ، فمجموع الدوال المنطقية الخاصة بارتفاع المزاج ، والتي تتعلق بشخص المريض وظروفه وبيئته ، كما تتعلق بالبنيان الوجودي للعالم والذي لا تشكل المادة إلا قشرة من قشوره ، يتم إهماله بالكامل وكأن الدواء هو عنصر التأثير الوحيد ، وإذا تم احتساب عناصر أخرى فسيلجؤون إلى اختبارات دوائية سابقة تنطلق من نفس منطلقات عينة الدراسة ونفس نماذج التأويل.

والحقيقة أن دراسة الآثار برؤية من السطح الخارجي كهذه ، أبداً لن تقدم دلائل حاسمة خاصة في موضوعات نفسية ، وبخصوص الموضوعات والأمراض الجسدية، تتوقف الإحصاءات على افتراض مسبق أن المسبب المباشر للمرض جسدي وجزيئي، وهو أمر لا يمكن التأكد منه لأن تلازم أعراض مضطربة في البنية الجزيئية مع حالة مرضية معينة ، لا يعني بالضرورة أن الحالة هي نتاج ذلك الاضطراب الجزيئي بالذات وحسب. بسبب هذه الطريقة الدراسية تم تشريع الكثير من المكملات الغذائية لعلاج أمراض لم تقم بإحداث أي فرقٍ يذكر بخصوصها، تعاني الدراسة الإحصائية من قصور في تحديد علة المرض، والأعراض الجسدية الكاملة المصاحبة له، والسبب الجزيئي الحقيقي الذي يتعلق به، وإهمال العوامل الداخلية والفروق الفردية، وإهمال التكامل الفيزيولوجي بين الأعضاء، وإهمال الفروق بين المجتمعات، وربط التأثير بنموذج محدد من الأعراض، وغياب إمكانية الرقابة التامة على عوامل الدراسة الإحصائية وميكانيزماتها ... وبعد كُلّ هذا لا ينبغي لك أيها القارئ أن تظن ذلك الظن الساذج ، أن النماذج الإحصائية أو حتى دراسات العينات العشوائية والتناظرية ، ستجلب لك النبأ اليقين بخصوص موضوع طبي أو بحثي معين.

1. تعميم التأثيرات التي ينتجها دواء معين ، لا يأخذ بالحسبان "التأثير العقلي الإيحائي" بالنسبة لهذا الدواء، طبعاً يتم إهمال هذا التأثير في الدراسات الإحصائية إلا إذا كانت تلك الدراسات النادرة إلى حد شبه العدم، عن أنماط علاجية بديلة نوعاً ما، حينها يجوز، ويجب ، أن يعزى نجاح العلاج لعوامل الإيحاء.

2. كذلك وبشكل عام لا يأخذ بالحسبان عوامل البيئة التي تتم عليها الدراسة، على اعتبار أن جميع شعوب الأرض يكون مثالها الأفضل هو المجتمعات الغربية بالذات، وأن كل ما ينطبق هناك يجب أن يطبق على باقي الشعوب، الفروق بين الأفراد والفروق بين الثقافات، تفعل فعلها في مفعول الإيحاء والتكوين الجسدي والنفسي.

المشكلة الرئيسية بالنسبة للطب الحيوي هي "تشويه سمعة" المعالجين التكميليين ونحوهم ، ولكني جئتُ لأخبرك بعض الأمور، نحن لسنا أولئك العصابات التي تسعى لتحقيق ثروات هائلة ببيع الوهم ، نعم هذا الحال البعض ( أو الكثير ) ولكنه ليس حال المعالجين الأصيلين ، لطالما سعينا لكي يتم ضم الطب التكميلي إلى حقول الطب المعترف بها ، طموحي النهائي في هذه النقطة هي أن يصبح الطب التكميلي مادة دراسية أولية في أكاديمية الطب الرسمية المعترف بها من قبل الدولة، وتخصصاً مرموقاً سواء قبل أو بعد إنهاء الكلية، وكذلك يكون له معاهده الخاصة، منعاً لدخول الدجالين وغير المؤهلين.

نحن لم تسول لنا أنفُسُنا أن ندعي أن الطب الرسمي هو "علم زائف بالكامل" أو "غير نافع بشكل مطلق" أو "مسيس من قبل شركات الأدوية بكل ما فيه" ، لأننا ندرك جيداً القيمة العلمية لكثير من البحوث الطبية في مختلف المجالات ، كل ما نرغب به هو توسيع نطاق البحث العلمي في الطب، وتأهيل متخصصين في الطب الحيوي ، كما في الطب التكميلي والبديل بأنواعه، تحت رقابة حكومية (وقد تحقق هذا في الكثير من البلدان ومنها إسرائيل) وتأهيل الأطباء أنفسهم في هذه المجالات فهم بالتأكيد أكثر قدرة على إقناع المريض والتأثير على عقليته من أغلب المشتغلين بالعلاجات التكميلية.

منذُ أيام كارناب والوضعيين الحديثين ، حدث أن ( تجمّد المنهج العلمي ) ولم يعُد يقبل بأي إدخال أو تغيير ، رغم أن الفيزياء الحديثة تميل إلى الاستغناء النهائي عن هذا المنهج ولكنها لا تستطيع. وكأن كارناب والوضعيين هم "خواتم أنبياء فلسفة العلم" وهذا الوضع لا يبشر بخير أبداً.

من ناحية المنهجية العلمية ، دراسة المجموعات المقارنة ودراسة التعمية أصبحت لا تجدي كثيراً ، هناك مجالات تحتاجها ولكنها لا تستطيع تغطية كل ظواهر الحياة ، مثلاً لا تستطيع أن تدرس الحالات الاستبطانية من خلال السلوكيات الخارجية والمنعكسات الفيزيولوجية ، لأن الاستبطان يعتمدُ على الإدراك والتخيل والتأويل ولا يخضع لقانون علمي ولذلك ، أغلب سلوكيات البشر ( القادمة من عمق العقل ) لا يمكن دراستها بنماذج المقارنة ، لا يمكن التحديد بالدقة المناسبة طبيعة العناصر التي يفترض أن تدخل في الدراسة ، أو ماذا يدور في عوالمهم الداخلية أثناء تلك اللحظات ، أو حتى إذا ما كانوا يخضعون للموضوعية في قراراتهم ، حسب الخداع البصري ، يمكن لشخصين أن يريا نفس اللون أو الشكل كل بطريقته ، وهذه هي أسباب اختلاف النتائج التي تصل إليها نفس البحوث في نفس الموضوع ونفس المنهج ، بعبارة أخرى : من المستحيل إلغاء العوامل الذاتية في التجربة العلمية.ووجب إذن بناء التجريب من جديد ليتكيف مع هذه الحقيقة النهائية.

ومن ناحية أخرى ، هناك بعض أنماط العلاج التي يمكن أن تُدرس بالطرق التجريبية التقليدية ( مثل العلاج بالألوان والتنويم المغناطيسي الموجه ، والعلاج بالأعشاب - بشكل عام - وغير ذلك ) ورغم كل شيء لا يتم الاعتراف بتلك الأمور وهذه قاعدة عامة. لأن أي محاولة لعزو حدث واقعي لعلّة غير محلية سيقابَلُ بالحرب والحظر بكل ما لديهم من قوة.

من الممكن أن نسمي المغالطة التي يرتكبها البحث الطبي والعلمي اليوم بـ"خلق الفجوات المعرفية" التي تسمح لآلهة الفراغات بالدخول رغماً عن الجميع ، دون أن تخضع لمراجعات موثوقة بطبيعة الحال.

وبالنسبة لموضوع التعليل المادي للظواهر العلاجية ضمن الطب التكميلي ، فهو غير ممكن ببساطة تماماً كعدم إمكان تعليل المنهج العلمي نفسه بطريقة مادية بحتة ، فبناء المنهج بناءٌ عقلي مجرد. ومع ذلك ، د.مانفريد بوركرت في كتابه "الطب في الفكر الصيني" يقدم مقاربة لضم العلاج الصيني إلى المنهج التجريبي ( الوضعي ) وذلك بالقول : لا داعي لرفض الطب الصيني لمجرد أنه يستخدم عللاً غير مادية ، يمكن تأويل تلك العناصر على أنها "إجراءات وظيفية" للمادة ، وكذلك العناصر الخمسة وأعضاء زانغ-فو ونقاط الوخز بالإبر ، كلها هي "دوائر وظيفية" ، دون البحث عن كُنهها ، تماماً كما يتم التعامل مع المادة نفسها وخصوصاً في نطاق التجارب الكمومية، وهذا يسمح بالبحث التجريبي في الطب الصيني ضمن نطاق العلوم الغربية الوضعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة